جود بريس

متجددة على رأس كل ساعة مفعمة بمواضيع و مستجدات متنوعة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الفلسفة وتجديد العمل التربوي

مادة الفلسفة وتجديد العمل التربوي




 

ابراهيم بوزيد

   

    يحيل هذا العنوان إلى أحد المشاريع الفلسفية التربوية التي اضطلع بها مجموعة من الأساتذة الباحثين بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس، شعبة الفلسفة. كما يعد هذا العنوان مضمون الكتاب من العمل التربوي الثاني الذي صدر تحت عنوان" تدريس مادة الفلسفة بالثانوي وتجديد العمل التربوي"، الذي تضمن مجمل المداخلات التي قدمت حول مسألة " ديداكتيك النص الفلسفي" في اليوم الدراسي الذي نظم بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس يوم 25 يناير سنة 2001.

تظهر أهمية هذا الكتاب من خلال ثلاث أبعاد أساسية:أولا: البعد الفلسفي الذي تجلى أساسا في كون الحديث عن المقاربة الديداكتيكية للفلسفة عامة، والنص منها خاصة لا يستقيم إلا من خلال تعميق النظر فيما هو فلسفي خالص، وبالتالي استحضار مجمل المرجعيات التي من شأنها أن ترفع من جودة التفكير الفلسفي في سياق تداوله المتبادل بين الأستاذ والتلميذ.ثانيا: البعد التربوي الذي يعني أن مسألة تعميق النظر الفلسفي بكل حمولاته المعرفية والقيمية لا يعني الاكتفاء بتدريس الفلسفة، بما هي كذلك، بل ضرورة تدبيرها لخدمة ماهية الفلسفة المتمثلة في فعل التفلسف.ثالثا: البعد المنهجي، ذلك أن جدة هذا التأليف الفلسفي التربوي تجلى في استحضار المقاربة الشمولية لإشكالية الديداكتيك في علاقته بالنص الفلسفي.أضف إلى ذلك أن هذا التأليف الجماعي سيساهم بشكل قوي في تكوين الأساتذة وإعادة التكوين، وصقل مراتب العمل التربوي في بعده النظري والعملي داخل المدرسة العليا للأساتذة.

لقد تناولت هذه الندوة، وفي حدود ما ورد في الكتاب المشار إليه أعلاه، إشكالية مركزية تعلقت بمسألة تدريس مادة الفلسفة والفكر الإسلامي، والنص الفلسفي خاصة بالتعليم الثانوي، قضايا يمكن نعتها بالشروط الموضوعية المؤسسة لعملية تدريس الفلسفة، كتلك المتعلقة بإشكالات التأليف المدرسي، ودور المراقبة التربوية داخل مجال تدريس مادة الفلسفة بالتعليم الثانوي. مقابل ذلك نجد الشروط الذاتية التي تضفي على الدرس الفلسفي بعدا تساؤليا، وجعله موضوع تفكير دائم، باعتبار أن هذا التفكير تجلي فعلي لممارسة فلسفية حية، من خلالها نتقن فعل الإنصات، بدل الإرتكان إلى لغة التعميم المجرد، واللغة الصنمية التي تكرس ثقافة الذاكرة، بدل ثقافة الفهم،وتحول دون أعمال الفهم فيما لم نفكر فيه بعد . ومن جملة هذه الشروط ضرورة الوعي بالممارسة الفلسفية في علاقتها بالداديكتيك, وما إذا كانت الفلسفة تحمل في ذاتها بيداغوجيتها , أم أنها تحتاج في عملية تدبيرها مدرسيا إلى بيداغوجيا خارجة عنها , وكذا الوعي بالمرجعيات الفلسفية والبيداغوجية التي تحكم برنامج مفاهيم المعمول به في الدرس الفلسفي المدرسي الحالي, والتساؤل في نفس الوقت حول جدل العلاقة القائمة بين فاعلية التفلسف وحضور الكتاب المدرسي,وما إذا كان هذا الأخير يشكل عائقا أم سندا إيجابيا

في تخصيب فعل التفلسف لدى التلميذ . عائقا أم سندا إيجابيا من حيث مضامينه , وآليات ينائها, ومدى وجود تلازم بينها وبين ما هو مسطر من أهداف عامة وخاصة ضمن كتاب"منهاج..."

الديداكتيك والفلسفة اتصال أم انفصال؟

انطلق الأستاذ المنوزي(أكاديمية مكناس) في سياق معالجته لعلاقة الديداكتيك والفلسفة من مبدأ أساسي وهو"إن الأصل في الفلسفة والجوهري فيها هو الفلسفة ذاتها . وبعد أن تناول بعض التعاريف المتعلقة بمفهوم الديداكتيك, خلص إلى نتيجتين: أولها أن الديداكتيك قوامها آليات تفعيل المقروء , وجعله في خدمة وظائف محددة كالوظيفة المعرفية والسيكولوجية وغيرها. ثانيهما : ضرورة تجاوز التصور النمطي للديداكتيك,الذي يختزل هذه الأخيرة فيما هو جاهز, قابل للتطبيق بشكل آلي. في حين أن الديداكتيك"موضع إشكالي يتنازع أكثر من تخصص وأكثر من نظام معرفي.

إذا كان الديداكتيك يراهن على المساعدة والإكتشاف,بغعتبارهما طرائق لتفعيل التعليم الذاتي لدى المتعلم كما أكد ذلك (لويس نات),فعلاقتها بالفلسفة لا يبدو أمرا واضحا, كتلك العلاقة الحميمية القائمة بين الرياضيات والفيزياء. وفي سياق هذا التوضيح يؤكد ذ حسن المنوزي أن "تجربة (ميشال طوزي)مفيدة وهامة في هذا المجال", لأنها تنطلق من تصور دينامي للديداكتيك.

وخلاصة هذا الموقف أن الأخد بالديداكتيك يعني ملامسة ذاتية لما يميز الفلسفة عن باقي الأنماط الفكرية الأخرى , أي تمكين المتعلم من مجمل العمليات النواتية التي تؤهله لأكتساب التربية الفكرية في بناء مفاهيمه, وتخصيب الإشكالات التي يطرحها نحو وجوده ومعارفه وقيمته, أنطلاقا من التدليل والحجج الملازمة لسلطة العقل. وهكذا يخلص ميشال طوزي إلى أن "مشكلة العلاقة بين الفلسفة وتعليمها "يجب أن يتأسس " من خلال التفكير في العمق الموروث والتاريخي للمشاكل والمفاهيم و المذاهب الفلسفية ". مقابل هذا الموقف نجد كل من(جاكلين روس)و(جراتلوب) اللذان يؤكدان على أهمية وجود ديداكتيك الفلسفة .

وقد خلص ذ حسن المنوزي من خلال هذه المداخلة إلى خلاصتين أساسيتين: فمن جهة أن مسألة العلاقة بين الفلسفة والديداكتيك تعد أمرا شائكا " فالديداكتيكي المتعصب والمتعصب للفلسفة يعكسان فعلا حقيقة الفلسفة"، ومن جهة أخرى أن هذا الإشكال لا يمكن اختزاله فيما هو نظري، بل قد تترتب عليه قيم تمس صميم الوجود الإنساني، ذلك أن هيمنة النظرالديداكتيكي الألي يجعل من الفلسفة " مجرد تقنيات ومهارات معزولة وردود أفعال نمطية"، مما يساهم في " تكوين معلمين وعلى أكبر تقدير سوفسطائيين يؤمنون بالشكل وحده ويجحذون بالمضمون، بارعين في التقنيات وفقراء في المعرفة:. فإذا كان الأمر كذلك، فما هي دواعي اختيار تدريس الفلسفة على شكل برنامج مفاهيم؟ وما هي مرجعيات هذا البرنامج فلسفيا وبيداغوجيا؟

· برنامج مفاهيم: مرجعياته الفلسفية والبيداغوجية:

ضمن هذا المحور أكد الدكتور الباحث عز الدين الخطابي أن الحديث عن برنامج مفاهيم من حيث مرجعياته الفلسفية والبيداعوجية يقتضي أولا معرفة الوضع الإشكالي للفلسفة كمادة مدرسة، باعتبار أن هذا الوضع تتمثل فيه الفلسفة باعتبارها خاضعة في مسار تدريسها إلى ما هو ديداكتيكي. ولعل هذا الوضع التربوي للفلسفة قد أثير حوله نقاشا، بحيث انقسمت المواقف بشأنه إلى قسمين: الموقف الأول القائل بكون الفلسفة تحمل في ذاتها بيداغوجيتها الخاصة المتمثلة في مجمل الآليات البرهانية والحجاجية التي يستند عليها الفيلسوف في الدفاع على أطروحته. الموقف الثاني يؤكد على وجود علاقة تلازمية بين الفلسفة والديداكتيك، وهي علاقة استمدت مشروعيتها من عدة اعتبارات حقوقية وواقعية، تجعل من الفلسفة حقا مشروعا للجميع، وهي المسلمة التي عبر عنها الفيلسوف الألماني ب" قابلية التربية الفلسفية بالنسبة للجميع" بهذا المعنى استنتج د. عز الدين الخطابي من خلال كل من موقف ميشيل طوزي وكانط أن الحق في الانتماء إلى الفلسفة لا يعد أمرا خاصا بفئة دون أخرى، بل هو حق شعبي، الحق الذي سيجعل من الفلسفة مكونا أساسيا لخلخلة الأحكام الجاهزة، وهذا ما يبرر أيضا شرعية تدريس مادة الفلسفة في جميع الشعب بالتعليم الثانوي.

إذا كانت مسألة تدريس الفلسفة بواسطة الديداكتيك تمليه اعتبارات حقوقية وواقعية، فما هي درجات حضور الفلسفة بالقسم المغربي؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، حاول د عز الدين الخطابي تقديم توضيح وجيز لخصوصية الوضعية التي عليها الفلسفة بالقسم الفرنسي؟

أهم الخصائص التي ميزت الوضعية التي عليها الفلسفة بالمؤسسة الفرنسية هي التجدر التاريخي، والأنوارية، و الحداثية والديمقراطية، وتعميمها كشكل من أشكال التعبير الحر عن إنسانية الإنسان، باعتباره مشروع مستقبلي كما أكد ذلك الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر. هذا التعميم الذي أصبح أمرا وطنيا تحملت مسؤوليته الدولة الحديثة الفرنسية. أما تعليم الفلسفة بالمؤسسة المغربية، فقد ظل مفتقرا بالدوام إلى العمق التاريخي بسبب طبيعة السلطة الاستبدادية المعززة بفتاوى مناهضة لكل توجه فكري فلسفي. وبهذا ظل وجود الفلسفة مقلقا، وبالتالي فهو عرضي بعيدا عن الفاعلية المؤثرة في النسيج الثقافي العام للمجتمع الإسلامي العربي عامة, والمغربي منه خاصة. وبالرغم من هذا كله نجد أن الدوائر الرسمية ترفع شعار الحداثة والعقلانية التي تعد من صميم الفكر الفلسفي.فبين الإعتراف بالقيم الفكرية والسياسية للفلسفة, وحصارها الفعلي داخل الواقع الفعلي تظهر ما عبر عنه د عز الدين الخطابي بالوجود المفارق للفلسفة, هذا الوجود الذي تحضر فيه الفلسفة كموضة فكرية تتخد دريعة لقضاءمصالح محدودة بحدود القوى التي تروجها. وإذا كان الأمر كذلك , وفي ظل هذا الوجود المفارق للفلسفة , فكيف سيتم تفعيل الدرس الفلسفي داخل برنامج مفاهيم؟ وما هي المرجعيات الفلسفية والبيداغوجية لبرنامج مفاهيم؟ وهل فعلا ثم تفعيل هذه المرجعيات بشكل يحافظ علىالرفع من فعاليةالتفلسف لدى المتعلم؟ ألا تعد الإكراهات الموضوعية عائقا حقيقيا يحول دون الترجمة الفعلية لبرنامج مفاهيم في سياق مرجعياته الفلسفية والبيداغوجية ؟

يفترض برنامج مفاهيم المعمول به بالتعليم الثانوي المغربي ثلاث منتظرات: أولا : تحقيق قدرات المفهمة.ثانيا : التمكن الفعلي من آليات أشكلة المفهوم. ثالثا: القدرة على المحاجة. أما المرجعيات التي يتلأسس

إذا كانت الفلسفة ظلت في مجتمعنا العربي عامة والمغربي خاصة هامشية، بفعل وجود الهيمنة المطلقة للسلطة السياسية التقليدية منها والرمزية، فما هو الدور التربوي الذي يمكن أن يقوم به الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة لدى المتعلم؟ وما هي الآثار الناجمة عن تدبير المعرفة الفلسفية على الكتاب المدرسي؟ وما هي أهم العوائق التي حالت دون جعل من الكتاب المدرسي مدخلا حيويا لإثراء ملكة التفكير الفلسفي لدى الأستاذ في علاقته بالتلميذ؟

· الكتاب المدرسي وفاعلية التفلسف:

في سياق هذا المحور أكد د. بودريس بلعيد( أستاذ سابق بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس) أن الكتاب المدرسي يعد أحد تجسيدات المعرفة الفلسفية، فبواسطته يتحدد الدور المنوط بكل من الأستاذ والمدرس والمفتش. يمكن التمييز بين أشكال تداول المعرفية الفلسفية في الكتب المدرسية بين شكلين أساسيين: الكتاب- المدرس، والكتاب المساعد. من خلال واقع تدريس الفلسفة في الأقسام الثانوية، يمكن التمييز بين

ثلاثة أشكال لتدبير المعرفة الفلسفية: تدبير النقل الذي يتأسس على النقل والترجمة. تدبير المزا لق يتجه إلى التغيير والتجديد عن ما أنجز سابقا. التدبير الخلاق الذي يجعل من التفكير الفلسفي مناسبة لممارسة الأصالة والتجديد.

خلصت هذه المداخلة إلى عدة اقتراحات مفادها أن الإبداع والتجديد في تدريس الفلسفة يقتضي الأخذ بالمقاربة الشمولية والنسقية لكل مكونات الكيريكيلوم. أما فيما يرتبط بعنصر تدريس الفلسفة، فالأمر يقتضي صياغة جديدة لتدريس الفلسفة بالجامعة، ومفهوم متلائم للتكوين، ومفهوم دينا مي للمراقبة التربوية، ومفهوم فعال للتقويم التربوي، ومفهوم متجدد لمدرس الفلسفة، الذي ينجم عنه تحرر الدرس الفلسفي من الوصفات الجاهزة، والقدرة على إنتاج درس فلسفي أصيل.فإذا كان الأمر كذلك، فما هي أهم الإشكالات التي تطرح إزاء الحديث عن التأليف المدرسي في مادة الفلسفة؟ وما هي آفاق هذا التأليف المدرسي؟

· التأليف المدرسي في مادة الفلسفة: إشكاليا ته وآفاقه.

انطلق الأستاذ محمد ياسين( المدرسة العليا للأساتذة بمكناس) في معالجته لهذا الموضوع من تصور يروم تأسيس تصور سوسيولوجي لتدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي. مبررات هذا التصور راجعة إلى التراكم التربوي الذي حققه تدريس الفلسفة بالمغرب، ومختلف الرهانات التي أصبحت تطرح بصدد تدريس الفلسفة، والتي لم تصبح مختزلة فقط في الجانب البيداغوجية فقط، كما أن كل رهان حول تدريس الفلسفة هو موقعا لكل صراع سوسيوثقافي عامة، بالمعنى الذي يصبح فيه التأليف المدرسي" استعادة للكيان الثقافي"، وبالتالي فكل تأليف هو انتظام مسبق ل" اختيارات لا تتحدد بالحاجة التربوية وحدها...، بل إنها مرآة عاكسة لمرجعيات المجتمع الذي تحصل داخله"

بعد تناول التأليف المدرسي والسياق التاريخي لتدريس الفلسفة بالمغرب، خلص ذ. ياسين إلى القول إن أهم مواصفات وأبعاد تجربة التأليف المدرسي في الفلسفة لسنة 1995 هي حضور الاختيار القائم على موضوعات فلسفية اتسمت بمبدأ الانسجام في المعالجة الفلسفية، وهذا أمر إيجابي، في مقابل ما هو سلبي المتمثل في" عدم مراعاة مطالب المدرسين التي كانت تتمحور بالأساس حول جعل الممارسة الفصلية كاسبة لهامش من الحرية"، وعدم تأسيس هذه التجربة على مبدأ " الحوار الواسع بين أطراف العملية التعليمية"، واستدعاء التجربة الفرنسية في تدريس الفلسفة" بمعزل عن الإلمام المقنع بالحاجة الموضوعية لتدريس الفلسفة، وفي منأى عن النقد للنموذج المحتذى به".

أهم الإشكالات التي سجلها ذ ياسين انطلاقا من بحث ميداني إزاء التأليف المدرسي لمادة الفلسفة فهي كالتالي: أولا: عدم أخذ بعين الاعتبار أهمية العلاقة بين السابق واللاحق في صياغة البرامج والمقررات الخاصة بمادة الفلسفة. ثانيا: عدم وجود المتابعة المستمرة للمناهج والمؤلفات المدرسية. ثالثا" هيمنة النزعة الإيديولوجية المتمثلة في سيادة اختزال الكثير من الدروس والوحدات.

أما آفاق تجديد العمل التربوي للنهوض بالتأليف المدرسي لمادة الفلسفة، فقد اختصرها ذ. الباحث ياسين في ثلاثة اتجاهات أساسية: الاتجاه الأول: الحوافز تتمثل رهانات " الميثاق الوطني للتربية والتكوين". الحافز الثاني: نابع من منتظرات الفاعلين التربويين وتداخلاتهم التي تكون رهينة وجود مراكز ووحدات للبحث والتوثيق. الحافز الثالث: الالتزام بشروط المراجعة الجادة والمتأنية للمناهج والمقررات والمؤلفات المدرسية الخاصة بمادة الفلسفة، وإجراء مقاربة ميدانية لضمان المشاركة الفعلية للفاعلين التربويين في مجال تدريس الفلسفة. وإذا كان الأمر كذلك، فما موقع درس الايبيستمولوجيا داخل برنامج الفلسفة؟ وما هي جهة حضور الفلسفة الإسلامية في مقررات الفلسفة بالتعليم الثانوي؟

· درس الإيبستمولوجيا، الدرس الإنساني:

إذا كانت أهداف مادة الفلسفة موزعة إلى ثلاثة أصناف: منهجية، ومعرفية، وقيمية، وحسب ما ورد في منهاج الفلسفة 1996، فدروس الفلسفة تبدو منسجمة مع هذه الأهداف، إلا أن الأمر لا يبدو واضحا عندما يتم الحديث عن الدرس الإيبستمولوجيا عامة، ودرس النظرية بصفة خاصة في سياق الحديث عن أهداف وقيمية ووجدانية.

في سياق هذا التقديم تساءل الباحث عبد الكريم باعكريم أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس: هل من الممكن تحويل المعرفة العلمية إلى قيم تربوية وأخلاقية؟ وبصيغة أخرى نتساءل كيف أمكن التدليل على أن الدرس الإبستمولوجي عامة، ودرس النظرية خاصة يستغرق كل أهداف الفلسفة، مثله مثل باقي الدروس الأخرى؟

بداية الممارسة العلمية اقترنت بإبعاد كل نزعة إحيائية، حيث أصبحت الطبيعة كتاب لا يفهمه سوى الرياضي، وتم فصل مفهوم المادة عن كل فاعلية، وبالتالي انتظم الواقع العلمي ضمن نظام متكامل من الأنساق وفق فرضيات ومبادئ علمية. إذا كان الأمر كذلك، فقد استدل ذ باعكريم على أطروحة الارتباط الوثيق بين درس النظرية والأهداف العامة للفلسفة انطلاقا من نموذج علمي وهو الإنتاج العلمي لإسحق نيوتن( 1643- 1727) كعالم فيزيائي، والوعي بالدلالة الإبستمية لمجمل التأويلات المتضاربة التي أفضى إليها، والتي ترتد في آخر المطاف إلى الخلط بين مستويين: المستوى الأول الذي يمثل التوجه الوضعي الذي اختزل مهمة العلم في الملاحظة وقياس الظواهر فقط، باعتبار أن ما لا يمكن استنساخه من التجربة ومن وقائعها فهو لا يدل على شيء ولا يشير إلى ظاهرة قابلة للملاحظة، مما يجعل من معيار صدق النظرية أو كذبها مستمدة من مدى مطابقتها للتجربة. المستوى الثاني يمثله ما اصطلح عليه الموقف النصف الوضعي عند إيمانويل كانط وامتدادات فلسفته لدى بيير دوهيم .Pierre Duhem خلاصة الموقف الفلسفي النقدي أن معرفتنا بالأشياء لا تتجاوز ظواهرها، وبالتالي فتأسيس المعرفة رهين شروط قبلية، وهذا ما عبر عنه دوهيم بكون التجربة ليست مجرد ملاحظة للظواهر، بل تأويل نظري لها. فكل نظر وفهم للتجربة في أبسط معطياتها تحتاج إلى استيعاب كلي لمرجعيات النظرية التي تنتظم داخلها وبشكل مسبق، وفي سياق هذا التوضيح يقول ذ باعكريم " وهكذا ، أتكون الذرة، أصغر كائن في الوجود، مصدرا لعنف عظيم ولقيم إنسانية أعظم؟ ذلك هو الدرس التربوي الأول من درس الابستومولوجيا"( المداخلة غير تامة). كما أن الدرس الابستمولوجي من الفحص الدقيق لتاريخ العلوم يعد مختبرا للعقل، أي معرفة كيفية تشكيل العقل، وبالتالي امتلاك آليات إنتاج المشاكل الحقيقية لفهم وتحليل باقي المشاكل التي ترتبط بالحقول المعرفية والاجتماعية والسياسية الأخرى، لأن المعرفة المؤسسة علميا تنعكس نتائجها الابستيمية العميقة في تحقيق حداثة منتجة( مجزوءة تاريخ العلوم والابستمولوجيا2003-2004، المدرسة العليا للأساتذة بمكناس).

لما كان الدرس الابستمولوجي عامة، ودرس النظرية خاصة يشوبه الغموض من حيث المقاصد البعيدة المتوخاة من إدراجه بالتعليم الثانوي التأهيلي، فما هو وضع الفلسفة الإسلامية في برنامج مادة الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي؟ وما هي المظاهر السلبية لهذا الوضع؟ وما هي بعض الحلول والاقتراحات لتجاوز هذا الوضع؟

** جهة حضور الفلسفة الإسلامية في مقررات الفلسفة بالتعليم الثانوي:

أهم الخصائص التي تميز وضع الفلسفة الإسلامية داخل برنامج الفلسفة بالتعليم الثانوي، ومن وجهة نظر الباحث محمد قشيقش( أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس) هي" الضعف والتشويه والكاريكاتورية التي تسيء، أيما إساءة، لهذا العنصر العظيم في التراث الفلسفي الإنساني حضور سيء للهوية"، وحضور باهث. فما هي الأسباب المفسرة لهذا الحضور المشوه؟ اختصرت الأسباب المفسرة لظاهرة الغياب هاته فيما يلي:أولا: أسباب ذاتية تمثلت في " الجهل الحاصل لمقترحي النصوص والفلاسفة بهذه الفلسفة"، إذ كيف يعقل أن تغيب نصوص الفلاسفة الإسلاميين في درس أدرج ضمن دروس الفكر الإسلامي كدرس الفاعل السنة الأولى باكالوريا أدبي؟ وكيف يعقل أن تكون نصوص فلسفية إسلامية حاضرة بشكل قليل جدا داخل برنامج للفلسفة يتضمن ثلاث وتسعون نصا وعشرة مفاهيم؟. ثانيا: اختيار النصوص الفلسفية ذات صلة بالبرنامج المفاهيمي أملته اعتبارات ذاتية، أي نوع التخصص والتوجه الفكراني الذي حكم المؤلفين للكتاب المدرسي، وبالتالي غاب المعيار الموضوعي الذي يتمثل في كون الفلسفة ذات طابع كوني وعقلاني ساهم فيه كل الفلاسفة، ومنهم الفلاسفة الإسلاميين، فضلا على أن منهاج الفلسفة قد اعتبر أن " الفلسفة الإسلامية من مقومات الهوية ومحددات الشخصية المغربية"، مما يقتضي الأمر إعطائها الحق في انخراط فلاسفتها في معالجة الإشكالات الفلسفية التي تطرحها المفاهيم المبرمجة كالفن، واللغة، والعقل، والنظرية، والحقيقة، والشخصية، والغير، والحق، والشغل وغيرها من المفاهيم. في سياق هذا التوضيح يقول ذ الباحث محمد قشيقش في سياق تعليقه على آفة التشويش والخلط الذي شاب حضور الفلسفة الإسلامية: " هو حضور يكرس الجهل بهذه الفلسفة، في وقت نحن في أمس الحاجة إلى العلم بها وتعليمها وخاصة عند جيل المدرسين الذين تخرجوا من الكليات في ظل التخصص المبكر بالكلية والذي قد ينتج عنه أن الطلب الحاصل على الإجازة في علم النفس أو علو الإجتماع لا يعرف من الفلسفة الإسلامية خاصة والفلسفة عامة إلا ما " في باب بادئ الرأي المشترك" " بل إن هذا الغياب المشوه للفلسفة الإسلامية قد ينجم عنه مغالطة علمية وتربوية فادحة وهي" أن بعض المفاهيم التي تحظر في المقرر الحالي لم تقل فيها الفلسفة الإسلامية أي شيء؟ وهي مجال إبداع الفلسفات الأخرى فقط!!"

لتجاوز المعضلات المطروحة أعلاه، اقترح ذ قشيقش حلان أساسيان: أولهما: اقتراح لائحة من المفاهيم على المدرسين للفلسفة بالثانوي والكليات ومراكز التكوين، وفتح باب الاجتهاد للاشتغال على موضوع واحد، وذلك من خلال البحث عن نصوص، وفلاسفة، وفلسفات، وعروض وتصورات، يتم تقييمها من لدن لجنة مختصة، بحيث ترصد لها عناصر تشجيعية. ثانيهما: فتح مجال الحرية في التأليف المدرسي في جو من الشفافية والوضوح.


عن الكاتب

جود بريس

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

جود بريس